
في الخرجة الإعلامية الأخيرة للمعتقل السياسي السابق ربيع الابلق على خلفية حراك الريف التي تمت في لقاء حواري على قناة حرة بريس والتي كانت من تنشيط أسامة سعدون و بحضور لحسن صبير، أشار إلى جوهر المشكل في ما يخص الأوضاع الراهنة بالمغرب. ورغم بؤوس مداخلة الضيف الاخر الذي لم يكتفي بالتبشير بالنموذج التنموي المتخلف،بل زادها بالاستعلاء المعرفي على ربيع الذي ضل متماسكا و كان واضحا ومقنعا في تشريحيه ل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المغرب. كان ربيع مباشرا وشجاعا كما عهدناه في تشخيص أصل المشكل.بل وقام ب وصف الدواء للداء العضال الذي يعاني منه المغرب الا و هو النظام المخزني، اذا هو السبب الرئيسي في ما يعاني منه المغاربة من فقر و تخلف الأوضاع الاجتماعية و السياسية. و على ضوء ما قاله ربيع يحاول هذا المقال توضيح بعض التقنيات التي يستعملها النظام الملكي من أجل السيطرة على خيرات الدولة و جعل الأوضاع كماهي عليها. وبالتالي يبقى الانسان المغربي يعيش في دوامة من المشاكل التي لا حصر لها.
فمنذ وصول محمد السادس الى الحكم بعد وفاة والده صاحب سجن تزمامارت و سنوات الرصاص و شهداء الكوميرا و عسكرة الريف، بشر مهندسوا العهد الجديد المغاربة أن النظام الجديد قطع مع الممارسات القمعية و أن محمد السادس ملك شاب يريد ان يبني عقد جديد مع المغاربة . وبدأت مرحلة تسكيك و صناعة العديد من المصطلحات و المفاهيم التي كان الهدف منها هو إستغفال النخبة السياسية قبل الاجهاز على أحلام المغاربة في الحصول على دولة مؤسسات تكون فيها العدالة الاجتماعية وتوفر الخدمات للمواطنين. ولكن للاسف خالفت النخبة السياسية المركزية الموعد ولم تكن في المستوى. عوض ان تضغط على النظام الملكي من أجل الحصول على الحقوق السياسية والمدنية، صدقت نوايا المخزن و إشرأبت أعناقها الى القصر تنتظر دورها من أجل أن تتخطى العتبات الشريفة. و للعودة إلى كيف استغفل النظام النخبة و تحايل المغاربة، لابد من الحديث على اربع تقنيات استعملها النظام.
من أجل للسيطرة على مقدرات الدولة وخيراتها قام النظام الملكي بإحتلال الدولة. وهذا المفهوم سبق أن اشار اليه الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي الذي وصف معظم أنظمة الحكم في المشرق العربي و شمال إفريقيا انها أنظمة إحتلال داخلي ولكن المفهوم الذي استعمله في هذا المقال هو مفهوم إحتلال الدولة عند أستاذ العلوم السياسية في جامعة برينستون جون ڤيرنر مولر. من أجل إحكام السيطرة على مفاصل الدولة كان اول ماقام به نظام محمد السادس هو الاجهاز على نظام الحسن الثاني. فقام بوضع شخصيات معروفة بولاءها المطلق ل محمد السادس على كل أجهزة الدولة و مؤسساتها. طبعا لم تكن الكفاءة هي المعيار لوضع الاشخاص على أجهزة الدولة بل كانت درجة الولاء للنظام. ومن أجل تثبيت أقدام النظام الجديد تم القيام باقتلاع البنية القديمة و تبديليها ب بنية جديدة حيث أن الهاجس الأمني كان واضحا في التغيرات التي طالت الأجهزة الأمنية. وكما هو معلوم لايوجد إحتلال بدون السيطرة على الاعلام العمومي و إحداث إعلام خاص موالي ثم إعلان الحرب ضد الاعلام الحر المستقل و هذا مايفسر عدد الصحافيين الذين تم إعتقالهم في عهد محمد السادس.
ومع بداية العهد الجديد كان ل إعلام المخزن دور محوري في التبشير بان المغرب زوين، المغرب يسير بخطى حثيثة من أجل عصرنة و تحديث الدولة و الاستثمار في البنيات التحتية والخدمات . و بدا التضخيم الاعلامي لسياسة الاوارش الكبرى التي كان النظام يتغنى بها في نشرات الأخبار المسائية. وبينت الايام أن هذه الاوراش كان الهدف منها هو خلق نخبة ريعية غارقة في الفساد موالية ل النظام لانه يقدم لها خدمات تفصيلية، و يسهل لها الحصول على المشاريع من مراكمة الثروة بالزبونية و المحسوبية. لم يكتفي النظام الملكي بخلق نخبة ريعية بل وعد المغاربة كلهم بالحصول على الامتيازات بمجرد تسليم رسالة إلى محمد السادس أثناء تجواله لدرجة أن النظام اراد من المغاربة أن يكونوا كلهم في لائحة الانتظار من أجل أن يحن محمد السادس وتحصل على مأذونية او عربة حلزون تنقدك من الفقر. و أنتشرت ثقافة الهمزة و الاستفادة من فرص المخزن. وكان فئة المنهشون العقاريين هي أكثر فئة إستفادت من الطفرة في البناء و الاستثمار في السكن الاقتصادي. بل النخبة الريعية لاتضع يدها في جيبيها أجل صرف درهم واحد ل شراء الحاجات الأساسية بل احيانا حتى الكماليات تقدم لهم وهذا ما كشف عنه تقرير الصحافي عمر الراضي.
ومن أجل الحفاظ على هذه النخبة الريعية حتى تقوم هي بالدفاع عن المخزن قام هذا الأخير بخلق نظام لتقاضي تنعدم فيه العدالة او بالاحرى تكون حاضرة حسب القرب او البعد من النظام. و أستمر التميز و الفصل العنصري أمام القضاء و اخر تجليات هذا الميز هو ما وقع للشهيد زكرياء الشويخ شهيد نظام الحݣرة و التميز القضائي و هناك عديد من الأمثلة ولكن من أجل توضيح تقنيات التميز القضائي في المغرب وتبين كيف يستعمل المخزن القضاء بشكل انتقامي من أجل تصفية حسابات مع صحفيين قاموا بانتقاذ النظام في مرحلة ما. فقام النظام بفبركة ملفات جنسية من أجل الايقاع بهم في السجن بذريعة حماية النساء من الاغتصاب و نفس الوقت الذي طالبت فيه نساء تعرضن ل الاغتصاب او التحرش الجنسي بالعدالة لم يستمع القضاء لصرخاتهن. وكلنا نتذكر ماذا الذي وقع لقضية الصحفية سلوى بوشعيب التي اتهمت سليم الشيخ مدير القناة الثانية باغتصابها. و كيف أن القضاء لم يتحرك رغم كشف الضابطة السابقة وهيبة وكذلك المهدواي ل قضية إغتصاب المحامي كروط لخادمته المصابة بخلل عقلي و ثم كيف أن الاستاذة نزهة مجدي التي كشفت عن ان رجال الامن تحرشوا بها وكانوا يلمسون أماكن حميمية من جسمها وعوض ان يتم تفعيل المسطرة القضائية لصالح هولاء النساء كان العكس لانهن كانوا ضد مسؤولين مقربين من النظام. اذا تعرضت سلوى بوشعيب لحملة تشهير وانتقاص من شخصها جعلتها تختفي من الساحة و كيف أن النظام أمر القضاء بالحكم على الاستاذة بثلاثة أشهر موقوفة التنفيد بينما لم يتم تحريك اي مسطرة قضائية ضد محامي الحموشي كروط رغم تأكيد المحامية وهيبة ان الشرطة لديها محضر الجريمة.
ولأن هذه المحاكمات الصورية أثارت حفيظة المجتمع المدني وأمام الانتقاذات المتزايدة من طرف منظمات المجتمع المدني و الحقوقي على سوء الأوضاع في المغرب قام النظام المخزني ب إجراءات قاسية ضد هذه المنظمات المحلية حيث يتم مهاجمة الاشخاص الذين هم على راسها و اتهمامهم بالعمالة للخارج و انهم يتلقون اموال من الخارج و أبرز مثال لهذا هو ما يتعرض له الناشط الحقوقي و السياسي الاستاذ المعطي منجيب. بالإضافة إلى ذالك قام النظام بالتضيق على الجمعية المغربية لحقوق الانسان. ومن ثم يقوم بخلق منظمات و جمعية حقوقية كاريكاتورية من أجل تبني الرواية الرسمية للنظام من الاحداث و مع الاسف اغلب هذه الجمعيات يتم وضع على راسها شخصيات كانت معروفة بنضالها الحقوقي الى وقت قريب او كانت ضحية النظام في العهد السابق. بل إن الأمر يستحق الدراسة اذا تقوم هذه الجمعيات و المنظمات الحقوقية بكتابة بيانات تهاجم فيها المنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية و منظمة مراقبة حقوق الإنسان ويتم اتهام هذه المنظمات بان معاييرها مزدوجة و انها تتبنى مواقف عدائية من المغرب.
و ختاما، هناك العديد من التقنيات والوسائل الأخرى التي يستعملها النظام الملكي في المغرب من أجل التسلط على مقدرات الدولة من غير أن يقوم النظام بزرع موالين له في أجهزة و مؤسسات الدولة من أجل إحتلالها ، كما يقوم النظام بخلق نخبة ريعية فاسدة تستفيد من الريع والزبونية و المحسوبية و يجعلها في حاجة دائمة و تحت رحمة المخزن وذللك باستعمال جهاز القضاء لصالحها حيث يقوم بالتميز بين من هو مؤيد للنظام و من هو معارض او محايد او غاضب او حتى محتج، فيقوم النظام باستعمال القضاء ضد هذه الفئات الاخيرة و لصالح الموالين وخدام النظام كما انه يلجا الى اجراءات قاسية في حق منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان المحلية والدولية من أجل اسكاتها عن الخروقات والفساد المشتري في أجهزة الدولة.